تطورات المشروع التغريبي في السعودية

أضف تعليق

الحمدلله وبعد،،

في كل صبيحة يوم تتكشف تكتيكات المشروع التغريبي في السعودية أكثر وأكثر، وهو مشروع موزع بشكل جيد، ويملك أصحابه نفساً هادئاً وقدرات جيدة ومبهرة على إدارة الصراع، ليست القضية وليدة اليوم، القضية لها جذور ومحطات تاريخية، وجبهات يتم العمل عليها، سأحاول إلقاء الضوء وربط الخيوط ما أمكن.

 

-الشخصيات المركزية:

يكاد يتفق المراقبون على أن أهم شخصيتين عبقريتين أسستا للمشروع التغريبي في السعودية هما الراحلان: الشيخ عبدالعزيز التويجري (1918-2007) ، والدكتور غازي القصيبي (1940-2010)،أ

 رحمهما الله وعفا عنهما، وبينهما تركيبة مشتركة لافتة للانتباه فعلاً، فكلاهما عروبيان، وكلاهما أديبان بارعان، وكلاهما يحمل عداوة شديدة للاتجاه الإسلامي، وكلاهما يحظى بنفوذ سياسي اسثنائي أشبه بنائب الملك، فالقصيبي كان يد الملك فهد، والتويجري كان عين ويد وسائر جوارح الملك عبدالله.

 

والأخيرة هي الأثر الذي يبحث عنه القائف.. فقد عمل الراحلان على تشييد المشروع التغريبي لا باعتماد (القلم) كما يفعل التغريبيون المثقفون، وإنما باعتماد (القرار) عبر التأثير على صانع القرار ذاته بشكل مباشر عبر المجالسة والمشاورة وتزكية شخصيات معينة الخ. وسنحاول الإشارة إلى شئ من جهودهما فيما يأتي.

 

أشرنا للمشتركات بين الشخصيتين، وأما الفروق بينهما فمن أبرزها أن القصيبي رجل ساحر للجمهور، ولذلك تصفق له المنتديات والمؤتمرات، بخلاف الأستاذ عبدالعزيز التويجري فإنه داهية من دهاة العرب في التأثير على جلسائه، فلديه قدرات دبلوماسية مذهلة، وأعرف شاباً داعية ممن اعتقل أيام أزمة الخليج، فلما خرج استضافه بشكل شخصي الأستاذ عبدالعزيز التويجري عدة مرات، وما هي إلا أيام حتى تحول هذا الداعية الشاب إلى هارديسك آخر، وهذا الداعية الآن يحمل مشاعر نقمة شديدة تجاه الإسلاميين، ما السبب؟ السبب هو القدرات الخارقة للأستاذ عبدالعزيز التويجري في التأثير، خصوصاً في إشباع شهوة الجاه والتقدير في نفوس الناس.

 

وبعد وفاة الأديب عبدالعزيز التويجري –رحمه الله- حلّ محله ابنه الأستاذ خالد التويجري وصار زمناً هو وغازي القصيبي (قبل مرضه) هما مركز التوجيه في البلد، ثم بعد مرض غازي ووفاته رحمه الله وعفا عنه؛ صار الأستاذ خالد هو الرقم الأهم في الديوان الملكي اليوم.

 

والأستاذ خالد التويجري ورث مشروع والده، مع فارق كبير في القدرات بين الشخصيتين طبعاً، فالأستاذ خالد لا يملك الموروث الأدبي والدبلوماسي الذي يملكه والده، وقد كان الأستاذ عبدالعزيز التويجري يقول لولده خالد (إني أرى فيك شبابي) وقال له أيضاً: (إذا أردت أن تغير فلا تظهر في الإعلام) . ولذلك فقد عمل الأستاذ خالد بوصية والده، فلاتكاد تجد له صورة واحدة في الإعلام برغم مركزه السيادي النافذ، بل لما نشرت صحيفة حرف الالكترونية صورة له دمر الموقع مباشرة.

 

-لحظة صناعة الضباب:

استمر الصراع بين الإسلاميين وقيادات المشروع التغريبي، وكان على أشده أيام أزمة الخليج، وفي كل تلك المراحل كان الأمر سجال يدال عليهم ويدال على الإسلاميين، ولكن في مرحلة الملك عبدالله استطاع المشروع التغريبي تسديد أقوى ضرباته عبر صناعة الضباب الكثيف حول الملك عبدالله، وضرب الجمارك الفكرية حول عيون الملك فلا تصل له إلا صورة مصممة بشكل يدعم المشروع التغريبي، ويصور المخالفين على أنهم ضد التنمية وليسوا ضد التغريب، وساعد على صناعة الضباب حول الملك أن الملك عبدالله فيه طيبة وبساطة فطرية معروفة، فاستطاع المحيطون به منعه من التواصل المباشر مع كافة الأطياف الاجتماعية وكشف الحقيقة.

 

ومن أوائل من أشار للضباب الكثيف الذي يحيط بالملك عبدالله الناقد التنموي د.محمد القنيبط في مقابلة شهيرة له في برنامج حديث الخليج بقناة الحرة حين قال (للأسف هناك ضباب كثيف حول الملك عبدالله).

 

-التركيز على المرأة:

يلاحظ المتابع للمشروع التغريبي أن هناك تركيزاً هائلاً جداً على ملف المرأة، فهناك إلحاح شديد على إنهاء بعض أحكام الشريعة حول المرأة المتعارضة مع الثقافة الغربية، مثل الاختلاط والحجاب وعلاقات الصداقة بين الجنسين ونحوها، يرى التغريبيون أنه حان الوقت لتجاوز أحكام القرآن المختصة بالمرأة مثل (وقرن في بيوتكن) ،  (فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) ، (ولاتخضعن بالقول) ، (ولاتبرجن) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ماتركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ، (لايحل لامرأة تؤمن بالله..) (إياكم والدخول على النساء) ، (طوفي من وراء الرجال) ، الخ ونحو هذه النصوص التي كن قرأها بشكل موضوعي متجرد باحث عن الحق لايشك أن مراد الله فيها هو التحفظ في العلاقة بين الجنسين، فهذا هو القدر المشترك بينها، وهذا هو “المقصد” لمن يبحث عن مقاصد الشريعة.

 

المراد أن أصحاب المشروع التغريبي يرون أن فعلهم هذا ليس كراهة في القرآن والسنة، ولا جحداً لهذه النصوص، وإنما شعورٌ بأن أحكام القرآن والسنة المختصة بالمرأة إنما تناسب البيئة العربية التي وجد فيها محمد -صلى الله عليه وسلم- أما نحن اليوم في عصر الحداثة والتكنولوجيا فلا تناسب المرأة السعودية هذه الأحكام القرآنية النبوية المتحفظة في العلاقة بين الجنسين.

 

ومن هذه الجبهات التي فتحوها في ملف المرأة: خلط الشباب بالشابات في جامعة كاوست (نموذج من التعليم العالي) ، وخلط المعلمات بالصبيان في المراحل الأولية (نموذج من التعليم العام)، وتلاحظ أنهما عمليتان متعاكستان، واحدة من الأعلى والأخرى من الأسفل بهدف الالتقاء في المنتصف، التحضير لإخراج السعوديات في الأولمبيات الرياضية، برامج الكشافة للفتيات والرحلات والتدريب الخارجي المختلط،  تكثيف حضور النساء السافرات في القنوات السعودية حتى كان بعض العامة يسمي قناة الإخبارية (المشغل) من كثرة النساء فيه، إقحام المرأة في مناصب نيابة الوزارة وما فيها من لقاءات غير لائقة بمسؤولين أجانب والتحضير لإدخالها في جلسات مجلس الوزراء، قرار امتهان الفتيات بوضعهن كاشيرات، لقاء الأمير خالد الفيصل بالطالبات الخريجات بشكل غير لائق، دفع الملك عبدالله للظهور في صور جماعية مع النساء ثم نشر الصورة لصناعة انطباع إيجابي بأن الملك داعم لهذه المشروعات التغريبية، الخ.

 

-تغريب أحكام الكفار:

يأتي  في المرتبة الثانية بعد أحكام المرأة تغريب أحكام الكفار في كفر الكافر والبراءة منه والقتال ونحوها، فأما كفر الكافر فأغلب ما يدورون حوله هو إنكار (كفر من يجحد نبوة محمد) وقد أجمع أهل الإسلام في كل العصور والمذاهب على من أنكر نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- على أنه كافر تثبت له أحكام الكفار، فتراهم يقولون لك: اليهودي النصراني ونحوهم الذي يؤمن بالله ويعمل صالحاً مؤمن وليس بكافر (أي حتى لوكان كافراً بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم) وقد كتب هذا الرأي الذي يمثل ناقضاً من نواقض الإسلام في جريدة الرياض مرتين، وافتى فيها الشيخ البراك، ثم عرض هذه السنة وتم الترويج له في المسلسل الاجتماعي الشهير طاش ماطاش، وتشربه كثير من العامة والشباب غير المحصنين عقدياً.

ومن وسائل ترويج تغريب أحكام الكفار مؤتمرات الحوار والتقارب بين الأديان التي صارت ترعى وتكثف لها الدعوات والتلميع الاعلامي.

 

-ترقيق الدين بالخلافيات:

هذه هي الملمح الثالث في المشروع التغريبي، فمن وسائل تحييد حاكمية النص الشرعي الاحتجاج بالخلاف على النص، فإذا أتى التغريبي من ينكر عليه شأناً ما، قال لك: “المسألة فيها خلاف”، وإذا أتى التغريبي يريد أن يتبنى نظرية غربية ما، وقلت له فيها العيوب الشرعية التالية، قال لك: “المسألة فيها خلاف”، وهكذا ضاعت فائدة النصوص لأنها صار يحكم عليها بالخلاف.

 

الطريف في الأمر أن الله أنزل النصوص لتحكم على الخلاف، وهؤلاء يصنعون العكس، فيحكمون بالخلاف على النصوص، حيث يقول تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء 59]. ويقول تعالى (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [البقرة 213].

فتلاحظ في هذه النصوص أن الله يجعل النص حاكماً على النزاع، وحاكماً على الخلاف، وهؤلاء قاموا بالعكس تماماً.

 

ومن أوائل من نشر هذه الطريقة الشاذة ابوسعيد بن لب –رحمه الله وعفا عنه- الذي رد عليه الشاطبي في الموافقات، ثم ماتت هذه الطريقة ولله الحمد، يقول الشاطبي في الرد عليها:

(فصل: وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية؛ حتى صار “الخلاف في المسائل” معدوداً فى حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد فى جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم..، فربما وقع الإفتاء فى المسألة بالمنع؛ فيقال “لِمَ تمنع والمسألة مختلف فيها؟” فيجعل الخلاف حجة فى الجواز لمجرد كونها مختلفاً فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة) [الموافقات، 5/92]

 

ومن أهم ما في معالجة الشاطبي لهذه القضية إشارته إلى رقة الدين التي يسببها الاحتجاج بالخلافيات، كما يقول رحمه الله:

(مما في اتباع “رخص المذاهب” من المفاسد: الانسلاخ من الدين بترك “اتباع الدليل” إلى “اتباع الخلاف”، وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالاً لا ينضبط) [الموافقات، 5/102]

 

وهذه الطريقة، أعني الاحتجاج بالخلافيات على النصوص تشربها كثير من الشباب والعامة للأسف، وقد نجح التغريبيون في ترويجها نجاحاً مذهلاً.

 

-الاستعانة بالفكر العلماني العربي:

من أهم الأدوات التي استعان بها المشروع التغريبي السعودي محاولة استثمار الكتب والدراسات العلمانية العربية لتفكيك البنية السلفية وتقويض يقينياتها وإدخال الشكوك والارتيابات فيها، تمهيداً لتقبل الفكر التغريبي، وقد كان الأستاذ عبدالعزيز التويجري يستضيف عامة المفكرين العلمانيين العرب في مهرجان الجنادرية المشهور، وفي أوائل سنواته كان يحضره بعض الدعاة، وتثور بينهم وبين المفكرين العلمانيين مجادلات ساخنة، منها مداخلات للشيخ سعيد بن زعير وغيره.

 

ثم أصبحت كتابات العلمانيين تدخل عبر معارض الكتب وخصوصاً مركز دراسات الوحدة العربية ودار الساقي والجمل ونحوها، وقد أقبل بعض الشباب على هذه الكتب وبنوا تصوراتهم عن السنة النبوية وأصول الفقه والتاريخ الإسلامي من خلال هذه الكتب التي هي إعادة إنتاج للاستشراق التقليدي (الفيلولوجي)، وخصوصاً أمثال دراسات جولدزيهر وشاخت وهنري كوربان ورينان ونحوهم، ويحتاج هذا ورقة خاصة لتوضيحه.

 

المهم أن استضافة المفكرين العلمانيين العرب، والتقاؤهم بالشباب السعودي الغر على هامش تلك المؤتمرات، وقراءتهم لكتبهم، وبناؤهم تصوراتهم الشرعية من خلال كتب العلمانيين، كان له دور كبير جداً في صناعة عقليات شبابية صالحة لزراعة التغريب.

 

-التشويه الإعلامي للعلماء والدعاة المعارضين للتغريب:

من أهم أدوات المشروع التغريبي توجيه رؤساء التحرير لفتح المجال للكتّاب التغريبيين والمستخدمين لتشويه العلماء والدعاة المعارضين للمشروع التغريبي، وتلميع العلماء المتصالحين مع المشروع التغريبي، ولذلك تجد الصحفيين مطبقين على إسراف المديح على شخصيات دينية بعينها، في مقابل تشويه رموز فقهية ودعوية بعينها، كتشويههم للشيخ البراك واللحيدان والمنجد والأحمد ونحوهم، هذا التواطؤ على مديح شخصيات دينية بعينها، وذم شخصيات دينية أخرى لا يمكن تفسيره بتاتاً بكونه عرضاً واتفاقاً بل هو جزء من البرنامج قطعاً.

 

ومن أهم مدراء الكيانات الإعلامية المحنكين في إدارة المعركة: الأساتذة: تركي السديري، وعبدالرحمن الراشد، والوليد الابراهيم، وهم في الغالب لا يواجهون مباشرة بل يتحكمون بشكل غير مباشر في طريقة وصول الرسالة للمتلقي النهائي.

 

-استعمال العلماء المتصالحين مع المشروع التغريبي:

ثمة بعض الفضلاء من الدعاة كانوا في مرحلة أزمة الخليج خصوماً للدولة والإعلام الليبرالي، وبعد الاعتقال وصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن مصارعة الدولة والإعلام الليبرالي، فتحولوا إلى مصالحة النظام السياسي والإعلام الليبرالي كلاهما، لكن تحولت سهامهم إلى السلفيين تدريجياً وبلا شعور منهم فيما أظن.

 

هؤلاء الدعاة الفضلاء تم استعمالهم في تعزيز المشروع التغريبي وهم لا يشعرون، ولا أشك أنهم لو شعروا لنفروا إن شاء الله من ذلك، فهم أخيار في أنفسهم، المهم أنهم صاروا يقدمون تزكيات هائلة لرموز تغريبية كمديح غازي القصيبي وأنه نموذج يحتذى، والدفاع عن الجابري، والحكومات العلمانية كالنظام التونسي والليبي، وعمارة النفوس بتعظيم الغرب وأن أمريكا لن تسقط، في مقابل لمز الحركات الإسلامية، وسيد قطب، وحزب النهضة التونسي، وأنهم يسعون للسلطة، ولمز المحتسبين، بل وضع السلفيين في خانة الأعداء (شكراً أيها الأعداء)، وتمييع النصوص بالتخيير والتشهي في الخلافيات.

 

ولذلك فإن المفتي بالأمس أرسل رسالة لا تخلو من تنبيه لاذع حول خطورة أن يقوم الإعلام الليبرالي باستغلال هذه الشخصيات الدينية لتزكيتها وتخفيف مشاعر النقمة تجاهها، كما يقول المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ:

(وإن كان الخروج –في القنوات- لأمور عادية، وقد يراها أصحاب القنوات بأنها تزكية لهم إذا خرج من هم أهل التقى والصلاح في قنواتهم، والواقع أن منهجهم وبرامجهم غير سليمة؛ فلا ينبغي أن نعطيهم تزكية بخروجنا معهم) [الشرق الأوسط، 6سبتمبر2010]

 

وأنا واثق إن شاء الله أن هؤلاء الأخيار سيتنبهون للدور الخطير الذي يضعهم فيه الإعلام الليبرالي ويدفعهم له ويطريهم ويثني عليهم، ولذلك تجد الأستاذ الوليد الابراهيم يختار وقت الذروة لبرامج رموز دينية معينة لأنه يعلم جيداً أنها توفر أجواء غير عدائية لمشروعه التغريبي، ولوكانت هذه البرامج تهدد التغريب لما دعمها وحرص عليها ووضعها في أغلى الأوقات.

 

-التغريب السياسي:

وثمة بعض الفضلاء من الاسلاميين المهتمين بالبعد السياسي في النهضة، أكثرهم فاضل في نفسه وصادق في البحث عن مخرج؛ ولكنهم انجرفوا بلا وعي في التغريب السياسي، فصاروا ينادون بالديمقراطية والحرية (الحرية هي ترجمة الليبرالية أصلاً!)، وحجتهم في ذلك أن التغريب إنما هو بسبب الفساد السياسي، ولا يمكن مواجهة الفساد السياسي إلا بالديمقراطية، وهذه الحجة تحتاج لقراءة هادئة احتراماً لصدق أصحابها، فالمقدمة الأولى منها مقدمة صحيحة جزئياً، وهو أن من أهم أسباب التغريب جوانب القصور في نظام الحكم، ولكن الحل ليس هو بالديمقراطية والحرية التغريبية، فإن التغريب لا يواجه بالتغريب، وإنما يواجه بالشريعة، والفساد السياسي يواجه بالسياسة الشرعية، والسياسة الشرعية تتضمن أموراً كثيرة منها (العدل في الحكم، وتولية الأكفاء، والشورى، ومحاسبة الولاة، واستقلال القضاء، الخ).

 

وهؤلاء الفضلاء صاروا ينادون بالحرية، ويجعلون من معناها (حق أهل الضلال في نشر ضلالهم) وهذه حرية تغريبية وليست حرية شرعية، ومن حججهم التي يقولونها: أن الإسلاميين إن دعوا للتضييق على أهل الضلال فسيكونون هم أول ضحية، وأن الإسلاميين لم يضيق عليهم إلا لأنهم لم يطالبوا بالحرية.

 

ونحن نحتاج هاهنا أن نناقش هذه بهدوء، لأن بعض من يقولها صادق في طلب الحق إن شاء الله، فالحقيقة أن من يقول هذه الحجة غفل عن أن المعيار في القضايا الشرعية ليست هي المصالح الشخصية، بل الشريعة، والشريعة جاءت بحكمين متوازيين: التمكين للعلماء والمفكرين والأدباء الخ من نشر علومهم وآرائهم، ومنع أو معاقبة من يخرج على الشريعة منهم. فلا يصح أن نطالب بالجزء الأول ونترك الثاني بحجة أننا حتى لا نكون ضحية، هذا تفكير يصلح في برنامج سياسي وليس تفكيراً منطلقاً من الالتزام بالشريعة.

 

ولذلك فسائر أئمة الإسلام الكبار طالبوا بمنع المضلين ومعاقبة من لايرتدع إلا بالعقوبة، مع كون هؤلاء الأئمة –أيضاً- كانوا ضحايا للسلطة كسعيد بن المسيب ومالك وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد وابن تيمية وغيرهم، وقد ساق المؤرخ ابوالعرب (ت333هـ) في كتابه المحن عجائب من ابتلاء أئمة السلف، فكل هؤلاء تعرضوا لاضطهاد السلاطين ولم يمنعهم ذلك أن يطالبوا بمنع المضلين، بسبب كون أئمة السلف موضوعيين علميين في نظرهم في الشريعة وليسوا سياسيين يفكرون بحرياتهم الشخصية، فهل يسوغ أن نقول طبقاً لمنطقكم هذا: إن ما أصاب ابن المسيب ومالك وأحمد وابن تيمية ونحوهم إنما هو بسبب دعوتهم لمعاقبة المبتدع ومنعه فكان هؤلاء الأئمة هم أول الضحايا؟ هل يسوغ هذا في نفس رجل يحب الله ورسوله وأئمة السلف؟!

 

المهم أن هؤلاء الاسلاميين المعنيين بالقضية السياسية صاروا ينزعون إلى التغريب السياسي بلا شعور منهم عبر الترويج للديمقراطية والحرية التغريبية، بل وإدمان المديح للغرب، وإدمان المديح للغرب ليس مجرد خلل (فكري)، بل هو إخلال (عقدي) بأصل من أصول أهل السنة وهو وجوب اعتقاد (خيرية واجتباء هذه الأمة على سائر الأمم) كما قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران، 110].

وبين الله اجتباء هذه الأمة في قوله (هُوَ اجْتَبَاكُمْ) [الحج 78].

بل وجعل تعالى هذه الأمة شاهدة على الناس بسبب حبه وتعظيمه لها جل وعلا كما قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143]

والمراد أن من يغالي في مديح الغرب وشتم هذه الأمة المسلمة فقد انتهك أصلاً عقدياً من أصول أهل السنة وهو وجوب اعتقاد فضل وخيرية واجتباء هذه الأمة على سائر الأمم، وهذا لا يخالف الثناء الجزئي على أمر جزئي معين، كقوله تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الروم:7] ومع أنها سيقت في معرض الذم! لكنها تضمنت ثناء جزئياً.

 

بل وبلغ الحال ببعض الفضلاء -سامحهم الله- إلى اعتبار أن حرية الداعرات في بريطانيا من ممادح الغرب ومن الجوانب المضيئة فيه والتي تستحق الإشادة كمؤشر على الحرية، فهل هذا إلا انجراف للتغريب السياسي، وللحرية بمعناها التغريبي، وتغييب للسياسة الشرعية، وأنا واثق أن هؤلاء الفضلاء سيكون لهم وقفة محاسبة جادة يقدم فيها الوحي على اعتبارات مشاحنة ومغاضبة الخصوم.

 

-تصاعد المواجهة مع شيوخ المعارضة للتغريب:

المراقب للساحة يلاحظ أن المواجهة مع المشايخ المعارضين للتغريب بدأت تتصاعد حدتها، فلما أفتى اللحيدان ضد فضائيات التغريب أجج الإعلام القضية وانتهت بإقالته، ولما أفتى الشثري ضد الاختلاط أجج الإعلام القضية وانتهت بإقالته، ثم دمرت أوحجبت المنتديات الاحتسابية واحداً بعد الآخر، ثم أغلق موقع الشيخ البراك والمنجد، ثم بالأمس أغلقت فضائية الأسرة التي يشرف التي يشرف عليها الشيخ محمد الهبدان ، وهيئتها الشرعية : عبدالعزيز الطريفي ، ويوسف الأحمد ، وسعد الحميد ، وعبدالمحسن الزامل، وهذه الإغلاقات والحجوبات المتتابعة لكل عالم داعية يلمس منه مقاومة مشروع التغريب يوضح بالضبط البوصلة الفكرية في السعودية.

 

-قرار قصر الفتيا والاحتساب على من يأذن لهم الديوان:

وقبل أيام معدودة صدر قرار الديوان بمنع أي عالم أو داعية من الفتيا أو الاحتساب إلا بترخيص من الديوان، قرأ البعض هذا القرار معزولاً عن سياقه السياسي، وكأنه قنديلٌ معلقٌ في الهواء، وهذا غلط تام، فالقرار ليس شيئاً غريباً أوحدثاً غير مفهوم، بل هو مجرد حلقة في سلسلة شلّ العلماء والدعاة المعارضين للمشروع التغريبي، بل إني على يقين جازم أن الملك نفسه لاصلة له بالقرار من قريب ولا من بعيد، وأما من صاغ القرار فلا يمكن أن يكون شخصية سياسية ولا تكنوقراطية بتاتاً، فالقرار فيه تفاصيل وإشارات لشخص مهجوس بصراعات شبكة الانترنت، تأمل ما جاء في القرار مثلاً :

(ومنهم من يكتب عرائض الاحتساب للمسؤولين فيما بينه وبينهم، كما هو أدب الإسلام ، ثم يعلن عنها ـ على رؤوس الأشهاد ـ ليهتك ما ستر الله عليه من نية، أو سوء تدبير على إحسان الظن به)

 

فأولاً: هل يليق بالديوان الملكي أن يدخل في هذه التفاصيل؟! قرار ملكي يتحدث عن حادثة شخص واحد كتب عرائض ثم نشرها! ماهذا؟! لا أشك أن من تولى صياغة القرار أنه قد أساء كثيراً لهيبة الديوان.

وثانياً: هل هذه عبارة مناسبة (ليهتك ما ستر الله عليه) وهل كتابة خطاب احتسابي فاحشة حتى يكون كشفه هتكاً لستر الله؟!

 

على أية حال .. الديوان الملكي ليس من اللائق إقحامه في تفاصيل لشخص واحد، بل الأولى أن يبقى الديوان مظلة للجميع.

بغض النظر عن الأخطاء في صياغة القرار، ماهو حكمه الشرعي؟ أعني ماحكم إسكات العلماء والمحتسبين عن الصدع بالحق في المشروعات التغريبية؟ وهل يجب على العلماء والدعاة الذين لا يملكون رخصاً بالفتيا أن يسكتوا عن إنكار المنكر؟ هذا هو حرف المسألة، وهذا ما سنتناوله في الفقرة التالية.

 

-لا يسعني كتم العلم!:

لما كان الامام ابن تيمية صادعاً بالحق، عقد له مجلس وأمر فيه بالانتهاء عن الافتاء، وصار غير مرخص له بالفتيا، فماذا فعل؟ يقول ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة ابن تيمية:

(ثم بعد مدة عقد له مجلس ثالث بسبب ذلك، وعوتب وحبس بالقلعة..، ومنع بسببه من الفتيا مطلقة، فأقام مدة يفتي بلسانه، ويقول: “لا يسعني كتم العلم” ).

 

وفي حادثة أخرى حكاها ابن تيمية عن نفسه حيث يقول:

(يجيئني الرجل المسترشد المستفتي بما أنزل الله على رسوله ، فيسألني مع بعده ، وهو محترق على طلب الهدى، أفيسعني في ديني أن أكتمه العلم؟! ) [الفتاوى 3/258]

 

هذا وهوشخص واحد من أهل العلم يرى أنه لا يحق للسلطان منع المؤهلين من الفتيا، فكيف بمن يريد منع عامة العلماء إلا من يوافقه الرأي!

 

وهذا الصدع بالحق من العلماء حتى لو لم يرض السلطان ليس شأن ابن تيمية فقط، بل هذا شأن السلف، كما وقع من مالك في مسألة طلاق المكره حتى جلد، وكما وقع من الإمام ابوسماعيل الأنصاري حيث يقول عنه الذهبي:

 (كان سيفاً مسلولاً على المخالفين، وطوداً في السّنة لا تزعزعه الرّياح، وقد امتحن مرّات، قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الأنّصاري يقول بهراة: “عرضت على السّيف خمس مرّات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبهم، لكن يقال لي: أسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت) [تاريخ الإسلام، الذهبي، 33/54]

 

وقصص السلف في الصدع بالحق كثيرة جداً ليس هذا موضع إيرادها، وكنت قبل سنتين قد جمعتها من سير أعلام النبلاء مبتدأً من عصر صغار الصحابة حتى أواخر القرن الثالث، فكانت مادة هائلة تعكس ضعفنا المعاصر في الصدع بالحق، وأتمنى أن تتاح فرصة لاحقة لتحريرها ونشرها.

 

والمراد أن أساس الخلل في هذا القرار هو الخلط بين (المنع العام) و (المنع الخاص)، فالمنع العام بأن يمنع جميع العلماء من بيان الحق إلا من يختارهم سلطان معين، وأما المنع الخاص فبأن يمنع الجاهل وصاحب الهوى ومن ظهرت مخالفته لصرائح النصوص ونحوهم.

 

فالأول، أعني المنع العام، هذا معلوم البطلان بالقطع من الشريعة، ولا يعرف له سابقة في تاريخ الإسلام، ويلاحظ أن القرار أشار للمنع الخاص، وبنى عليه المنع العام، وهذا خلط واضح.

 

ومما يدل على مخالفة هذا القرار للشريعة قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ** إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة، 159-160].

فهذه الآية من تدبرها علم قطعاً بطلان هذا القرار الذي يريد أن يربط بيان ما أنزل من الكتاب بقرار سياسي، فهذا واجب من الله على كل عالم، ولا يجوز للقرار السياسي أن يقيد الواجب الذي أوجبه الله على العلماء.

 

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشهير في الصحيحين (الدين النصيحة ثلاثاً، قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم). فإذا كانت النصيحة واجبة على المسلمين لولاتهم فكيف يستأذن الولاة في النصيحة؟!

 

وفي السنن بسند صحيح (من سئل من علم فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)، فكيف يكتم العلم إلا بترخيص؟!

فإذا كان لا يجوز الصدع بالحق إلا بترخيص، فلماذا سمي صدعاً بالحق إذن؟!

 

ومما يدل على مخالفة هذا القرار للشريعة أن الفتيا بإجماع الفقهاء عن بكرة أبيهم (فرض كفاية) وعلى ذلك فإذا لم يقم المفتون المرخص لهم بالفتيا والبيان في منكرٍ من المنكرات وجب على غيرهم أن يقوموا بالبيان والإنكار والاحتساب.

 

اتفق الأصوليون عن بكرة ابيهم على أن المقلد هو الذي يجتهد في البحث عن الفقيه الذي يستفتيه بحيث يختار الأعلم والأتقى، ولم يقل أصولي واحد بجواز أن يمنع الناس من اختيار الفقيه الذي يرضونه!

 

وأما قولهم أن الفتاوى الخاطئة تجعل من السائغ منع الناس جميعاً من الفتيا إلا بإذن، فهذا مردود بكون الخلل في الفتيا وقع في عصر النبوة ولم يمنع الناس منعاً عاماً، بل منع المخطئ فقط، كما في حديث صاحب الشجة الذي أفتوه أصحابه في مسألة في التيمم خطأ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟! فإنما شفاء العى السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده).

 

وهذا الحديث رواه ابوداود وصححه ابن الملقن في البدرالمنير واعتمد عليه عامة الفقهاء في كتاب التيمم، والمراد أن هذا الخبر النبوي يوضح كيف تعامل النبي –صلى الله عليه وسلم- مع ظاهرة الخطأ في الفتيا بالمنع الخاص لا بالمنع العام.

 

ولقد كان أهل العلم المحققين في شتى بقاع الإسلام يضجون من (التعصب المذهبي) الذي يحمل فيه الناس على (مذهب فقيه) بعينه، ويرون ذلك مخالفاً للشريعة، فكيف بالتعصب السلطاني الذي يحمل فيه الناس على المفتين الذين يختار فقههم سلطان بعينه؟! فكل ما قاله أهل العلم في إلزام الناس بمذهب بعينه فهو موجود وأضعافه في إلزام الناس بالمفتين الذين يختارهم سلطان بعينه.

 

بل إن الإمام ابن تيمية يرى أن ما تضمنه القرار من حمل الناس على مفتين معينين يختارهم السلطان يدخل في الحكم بغير ما أنزل الله كما يقول:

(وولي الأمر  إن عرف ما جاء به الكتاب والسنة حكم بين الناس به، وإن لم يعرفه وأمكنه أن يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا حتى يعرف الحق حكم به؛ وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا؛ ترك المسلمين على ما هم عليه، كل يعبد الله على حسب اجتهاده؛ وليس له أن يلزم أحداً بقبول قول غيره وإن كان حاكمًا، وإذا خرج ولاة الأمور عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله ووقع بأسهم بينهم، وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول) [الفتاوى، 35/387]

 

وأما ما جاء في القرار الملكي من قصر النهي عن المنكر على أصحاب الولايات حيث يقول القرار (ولا شك أن للاحتساب الصادق جادة يعلمها الجميع ، خاصة وأن الذمة تبرأ برفع محل الاحتساب إلى جهته المختصة)، (وفي مشمول هؤلاء كل من أولع بتدوين البيانات).

 

فهذا أيضاً خطأ مخالف للشريعة، فالجهة المختصة وهم أصحاب الولايات لهم قدر زائد وهو التغيير بالقوة والإلزام، بخلاف عامة المسلمين فعليهم واجب النهي عن المنكر باللسان والقلب والمخاطبة والمناصحة ونحوها بلا ولاية، وأهل العلم في كتب الحسبة يبينون دوماً الفرق بين المحتسب الذي يملك ولاية وعامة الناهين عن المنكر، بل نقل الجويني الإجماع على أن الإنكار ليس محصوراً في أهل الولايات، كما يقول النووي في شرح صحيح مسلم:

 (قال العلماء: ولا يختص الامر بالمعروف والنهى عن المنكر باصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه اجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذى يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين اياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من غير ولاية)

 

بل ذكر الغزالي ملحظاً لطيفاً وهو أن فرض استئذان الولاة للنهي عن المنكر هو منكر في حد ذاته يجب إنكاره! حيث يقول الغزالي في إحياء علوم الدين:

(واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض، بل كل من أمر بمعروف؛ فإن كان الوالي راضيا به فذاك، وإن كان ساخطا له؛ فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه، فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه)

وهذا المعنى الذي ذكره الغزالي معنى طريف وتعليل بديع للغاية.

 

وهذا المعنى الذي ذكره العلماء هو الذي دلت عليه النصوص، كحديث (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ولو كان إنكاراً بإذن لم يكن جهاداً أصلاً، بل ولا كان أفضل الجهاد!.

وحديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأنكر عليه فقتله) فلو كان مأذوناً له لم يقتله.

 

وهكذا كان الصحابة ينكرون بقوة وبلا إذن، ففي صحيح مسلم (عن عمارة بن رؤيبة قال: رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، فقال: “قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا” ) [مسلم، 2053].

 

وجاء في فتاوى ابن عثيمين أنه سئل:

(هل يجوز لمن أراد أن ينكر المنكرات أن ينكرها على المنابر، وهل هذا هو منهج أهل السنة والجماعة؟ الجواب: أما المنكرات إذا شاعت فلابد أن تنكر على المنابر) [لقاء الباب المفتوح، ل94]

 

ومن مفاسد هذا القرار تهييج الغضب في نفوس الشباب المتدين، عبر كبت العلماء المستقلين من قول كلمة الحق، وكلمة الحق من أعظم مصادر التنفيس السياسي، ولا تنفجر إلا الأنابيب المغلقة، وإغلاق الطرقات المشرعة يلجؤ الناس لحفر الأنفاق المظلمة.

 

وأما من يقول من العلماء أو الدعاة إنني أخشى كذا، وأخشى كذا، فالجواب أن الله تعالى بين أن تبليغ الدين لا ينفك عن الأذى والخوف من تسلط النافذين، ودواء ذلك، بل أنجع دواء على الإطلاق، هو “تجريد التوحيد” بأن لا يخاف الداعية إلا من الله كما قال تعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) [الأحزاب، 39].

فلا يستجلب حفظ الله بمثل طاعة الله جل وعلا، ولا يستجلب الحفظ بمعصية الله أو بالتقصير في تبليغ دينه أبداً.

 

هذا بالنسبة للموقف الشرعي من القرار، أما موقف الإسلاميين من القرار فقد رأيتهم انقسموا ثلاثة أقسام: فريق فهموا القرار على ظاهره، وهو أنه يستهدف إيقاف الصوت الشرعي المعارض للمشروع التغريبي، وهؤلاء وقفوا منه موقفاً سلبياً ونشروا مواقفهم إما بتعليقات على الشبكة أو في استضافات فضائية.

 

والفريق الثاني: سعى إلى تأويل ألفاظ القرار لحملها على معنى شرعي صحيح، وصاروا يمدحون القرار ومقصودهم المعنى الشرعي الذي أبانوه، لا ظاهر القرار، وحجة هؤلاء أننا في معركة مع الليبراليين وليس من مصلحتنا أن نسلمهم القرار ببساطة ونقر أنه ضد الدعوة وأهلها، وهؤلاء اجتهادهم اجتهاد دعوي مقبول، وهم مشكورون على كل حال، ورأيت بعض الأفاضل ممن ينتقد القرار يشنع على هؤلاء الإخوة، وهذا خطأ، فالفرق بين الفريق الأول والثاني أشبه باختلاف الوسائل لا اختلاف المقاصد، واختلاف الوسائل يدخل في اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد.

 

وأما الفريق الثالث: فقد مدح القرار مدحاً مطلقاً دون أن يحمله على معنى شرعي صحيح، وهؤلاء قليلون جداً، لكن موقفهم موقف خطير لتضمنه إقرار معنى باطل وإضفاء الشرعية عليه، وهو أن يتدين الناس بالدين الذي يختاره السلطان، لا باجتهادهم هم في اختيار من يرضون دينه.

 

ومن الأمور المستغربة عدم قابلية القرار للتطبيق، فلا الإعلام سيسكت عن إثارة الفتاوى التغريبية تحت ستار أنها رأي لا فتوى، أو مجرد عرض للخلاف الفقهي لا فتوى، ولا المشايخ المستقلين سيسكتون عن الصدع بالحق فليس لديهم رخص سيخسرونها، وهؤلاء هم طرفي المعادلة (الإعلام – العلماء المستقلين) وكلاهما لن يسكت عن الكلام في المسائل الشرعية، فإذا كان طرفا القضية لن يسكتا فما فائدة القرار إذن؟!.

 

وأي جهة سياسية تصدر أمراً من الصعب تطبيقه فإنها تصرف من رصيد هيبتها، فالحقيقة أن من أشار على الديوان بإصدار القرار لم يستهدف لهم الخير أبداً، فهذا فيه هز لهيبة القرارات الملكية، بتجرئ الناس على انتهاكها، وهذا ليس في مصلحة الجميع بتاتاً، بل من مصلحة الجميع أن تبقى الجهات التنظيمية لها احترامها، فبإجماع الباحثين في العلوم السياسية أن دولة النظام من أهم مؤشرات النضج السياسي، وليس من مصلحتنا جميعاً أن تصبح الأمور فوضى.

 

ثم إن القرار لاثمرة له عملياً، ولنأخذ مثالاً على ذلك، لنفترض أنه أنشئت جامعة أخرى مختلطة على غرار كاوست، وتهيب المرخص لهم بالفتيا من الفتيا خوفاً من أن تسحب رخصهم، فهاهنا يجب على غير المرخص لهم من أهل العلم أن يصدعوا بالحق، وعليه فإن فكرة هذا القرار لا فائدة لها عملياً في تقييد العلماء المستقلين.

 

على أية حال .. هذا القرار ليس قراراً عفوياً وتلقائياً، بل هو قرار خرج من رحم معركة، وآثار جراحات كاوست، وقرار تأنيث الصبيان، وقرار تكشير الفتيات؛ بادية عليه، فيجب أن نفهمه في هذا السياق.

 

وهل المقصود من هذا النقد تجرئ الناس والشباب على الفتيا؟ لا، قطعاً، ليس هذا المقصود، بل ما من طالب علم يزداد إيمانه وعلمه إلا ونقصت جرأته على الفتيا، سيما إذا استحضر قوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر 60]، وقوله تعالى (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود، 18] ، وكل من تكلم في المسائل الشرعية بلا بحث ولا علم فقد وقع في الكذب على الله، فليستعد ليوم يكون فيه وجهه مسوداً، بل  ومن أكثر مشاهد سيرة السلف بهاء تلك الهيبة التي تعتريهم عند الفتيا، لاستحضارهم عظمة الله وكونهم يتكلمون عنه وينسبون إليه، ولكن المقصود إنكار الرغبة في منع كلمة الحق في الفتيا والاحتساب، لا تجرئ الشباب وصغار طلاب العلم على الفتيا.

 

-قتل ملاك الفضائيات أم قتل المفتين:

لو عاد القارئ إلى الوراء ليتذكر المعركة التي دارت حول فتيا الشيخ صالح اللحيدان –حفظه الله- حول ملاك الفضائيات حين قال:

 (إن من يدعوا إلى الفتن إذا قدر على منعه ولم يمتنع؛ قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل؛ جاز قتلهم قضاءً).

 هذا نص كلامه، وهو موافق لترجيح ابن تيمية حين قال (فإذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قتل) [الاختيارات الفقهية].

 

ومع ذلك طار الإعلام الليبرالي بهذه العبارة، ووضع لها العناوين الإرجافية أن الشيخ اللحيدان يدعوا لقتل ملاك الفضائيات، طبعاً ما سبب الانزعاج الليبرالي من ذلك؟ يقولون أن السبب هو الحرص على حفظ الدماء وأن لاتكون الفتيا فيها بهذه البساطة، حتى لو كان ملاك الفضائيات ينشرون الفنون الهابطة.

 

حسناً .. لنفترض أن هذا هو السبب، وهو الغيرة والحمية لدماء المسلمين من قبل الليبراليين، فلماذا لم نسمع ذلك الدوي حين نشرت الوطن مستبشرة مهللة هذا الخبر (كشف القاضي في محكمة الاستئناف الدكتور فؤاد الماجد بأن عقوبة مخالف الأمر الملكي ستكون تعزيرية، وعقوبتها تتراوح ما بين أخذ التعهد إلى أن تصل إلى حد القتل) [صحيفة الوطن، 13/8/2010].

 

لماذا لم نسمع عناوين من مثل (الماجد يفتي بقتل المفتين) على غرار (اللحيدان يفتي بقتل ملاك الفضائيات)؟ أم أن دم من ينشر الفنون الهابطة دم غال أزرق، ودم من ينشر كلام الله ورسوله دم بارد رخيص؟ مجرد سؤال فقط..

 

-تساؤلات:

بعض الشباب الأخيار في أنفسهم كانت لديهم بعض التساؤلات يقولون فيها: ألا يمكن أن يكون الصراع الاسلامي التغريبي مجرد لعبة خلقتها الحكومة لإلهاء الناس عن قضاياهم الحقيقية؟ ألا يمكن أن يكون الاسلاميون عبيد الحكومة وخدم الاستبداد؟ ألا يمكن أن يكون هذا الصراع كله مسرحية وأول المستفيدين منها هي الحكومة؟ إلى آخر هذه التساؤلات.

 

حسناً يا أخي الكريم .. حين تتأمل حملة الإقالات التي طالت مناصب رفيعة، كمنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومنصب عضو هيئة كبار العلماء .. وحين تتأمل حملة حجب مواقع المواقع الدعوية مثل البراك والمنجد ومفكرة الدعاة ونور الاسلام الخ .. وحين تتأمل إغلاق قناة فضائية كاملة بعد جهود وأموال ويشرف عليها أمثال الطريفي والاحمد والحميد والزامل والهبدان.. وحين تتأمل قراراً ملكياً يصدر بهدف إسكات هذا الصوت الدعوي المعارض للمشروع التغريبي .. فهل بعد ذلك لديك أدنى ذرة شك أن هؤلاء مرغوبون ومطلوبون؟ إذا كانوا مطلوبين مرغوبين فلماذا تتم محاربتهم من قبل جهات رسمية؟!

 

حسناً .. انتقل إلى مواقع أخرى تمارس نقداً سياسياً صريحاً جداً، مثل (مجلة العصر ومجلة رؤية) .. ومع ذلك تجدهما لم يعانيان من حجب ولا غيره.. فهل يمكن أن يكون الموقع المحجوب والقناة المغلقة هي التي يمثل أصحابها خدم الاستبداد؟ أعتقد لو فكرنا بموضوعية لوصلنا لنتيجة جيدة.

 

-ضحايا المشروع:

خلال السنوات السابقة كنت أقابل بعض الشباب الذي يتحدث كثيراً عن (الوعي) و (الوعي السياسي) و (فهم الواقع) .. الخ، ثم إذا أخذت أتأمل قناعاته الشرعية وجدته ضحية لهذا المشروع التغريبي الضخم الذي يديره بعض نافذي الديوان والاعلام، بل أحد هؤلاء رأيته مرة يردد نفس الفتاوى التي يرددها الإعلام عن العلماء والدعاة فيقول لك البراك يفتي بقتل من يقول بجواز الاختلاط، ويفتي بوجوب حجاب المرأة أمام المرأة، والاحمد يفتي بهدم الحرم، وكذا وكذا الخ.

 

بل دعني أفشي لك سراً، كنت أقول لمجموعة من المراقبين لا داعي للقلق على النخب المثقفة من إرجاف الإعلام، لأنهم يقرؤون، بخلاف العامة، فإذا بالمشكلة أن هذه الإشاعات الإعلامية عن العلماء ترددها شخصيات مشغولة بالشأن السياسي وتعطيك المحاضرات في الوعي السياسي، ومع ذلك تنطلي عليهم إشاعات الإعلام ويرددونها بنفس الصيغة الإعلامية! يا ألله .. كم أشعر بالشفقة والرثاء لمن يتوهم نفسه واعياً سياسياً وإذا به أول الضحايا!

 

التلاعب الإعلامي المنظم بصورة الفتاوى، وبالحاضر والغائب من فتاوى العلماء بهدف التأثير السلبي طويل المدى على صورة الفقيه الشرعي في الوعي الاجتماعي صار له ضحايا كثيرون للأسف الشديد، وهم يتوهمون أنهم خارج الطبخة السياسية، بينما هم يحرَّكون داخل القِدر منذ سنوات.

 

 

-كيف نتعامل مع الديوان؟

الديوان الملكي اليوم يطرح مسارين متفاوتين جداً، أولهما: مسار المشروعات التنموية، وهي كثيرة، وتغدق عليها ميزانيات ضخمة، سواء في الجامعات أو المؤسسات الاقتصادية أو مشروعات الطرق ونحوها، وهذا المسار يجب أن ندعمه ونشكره ونشجعهم عليه، فهذه أموال المسلمين وحاجاتهم ويجب أن نشجع كل بادرة فيها شئ من العدل السياسي.

 

والمسار الثاني: هو مسار المشروعات التغريبية، خصوصاً في قضايا المرأة، عقيدة المسلم تجاه الكافر، وترقيق الدين بالخلافيات، وأحياناً يتترسون في مشروعهم هذا ببعض أصحاب اللحى الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، وهذا المسار يجب أن نقاومه مقاومة صريحة حازمة لا هوادة فيها، ولا يسعنا أن نكتم الحق لأننا لا نحمل رخصة إفتاء أو رخصة احتساب.

 

وأظن أنه من المهم أن تكون صورة العلماء والدعاة المستقلين متوازنة، فليس من اللائق أن لايرونا إلا رقباء على انحرافاتهم، بل يجب أن نكون داعمين للخير، مجابهين للشر، وهذا هو التوازن الشرعي المطلوب.

 

وهذا الموقف المتوازن يجب أن نقفه -أيضاً- مع الطوائف الفكرية، ولأكون صريحاً ويتضح المراد بعيداً عن العمومات، فالأستاذ ابوبلال عبدالله الحامد –حفظه الله- رجل نبيل ويقوم بدور ممتاز في المطالبة بالعدل، لكنه على الجانب الآخر يقوم بدور سئ جداً في تحريف بعض القضايا الشرعية، وكمثال على ذلك القاعدة التي نشرها على حائطه قبل أيام بما تتضمنه من تهوين من شأن الحديث “المتواتر” كما يقول ابوبلال هداه الله:

(فكل حديث يصرح بطاعة الجائر، والصبر عليه، والصلاة خلفه، والجهاد خلفه، وترك جهاده السلمي؛ فهو متروك، لأنه غير صحيح متنا، لايقطع بصدقه، ولا ينبغي العمل به، حتى لو كان حديثا صحيحاً متواتراً).

 

لاحول ولاقوة إلا بالله، إذا وصل الأمر إلى الاستهانة بالأحاديث المتواترة بهذا الشكل فماذا بقي لسنة رسول الله من التوقير إذن؟ ولم يقده إلى ذلك إلا استغراقه في التغريب السياسي، ولكن ومع ذلك فليس من اللائق بتاتاً أن لا يجدنا الأستاذ ابوبلال إلا حيث أخطأ، ولا يجدنا حيث أصاب، فهذا يجعل صورة طالب العلم والداعية غير متوازنة بتاتاً، فله مواقف أخرى رائعة ومشكورة، يجب أن نشكرها وندعمها.

 

-أنوار لن تطفأ:

بعد هذه المحطات الخاطفة حول تطورات المشروع التغريبي في السعودية من المهم أن نقف عند أهم نقطة في الموضوع، وهي أن المؤشرات تدل على أن الفتن قادمة، وأن النافذين السياسيين ورؤساء التحرير، ومدراء المحطات الفضائية التغريبية؛ يعدون الكثير ويتواطؤون على تمرير مشروعات تغريبية خطيرة، وخصوصاً بعد حملة حجب مواقع المشايخ، وإغلاق فضائية الأسرة، وقرار إسكات المشايخ المعارضين للتغريب؛ فهذا يدل على أن ثمة فتن قادمة، وثمة متساقطون قادمون لن يستطيعوا أن يقاوموا جبنة الديوان..

ولكن علينا دوماً أن نعمل ونحن نتمتم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة، 32]

 

 

والله أعلم

أبوعمر

لليلة بقيت قبل عيد الفطر المبارك-1431هـ

8 سبتمبر 2010

من يقف خلف الأسماء المستعارة؟

أضف تعليق

الحمدلله وبعد،،

حين تتأمل الظاهرة الإسلامية المعاصرة من علماء وطلبة علم ودعاة ومفكرين وأدباء الخ فإنه لا يشدك مثل ظاهرة لطف الشخصية المتدينة وحب الناس لها .. الكثير من أقاربي سمعتهم يتحدثون عن حسن ابتسامة المتدينين للناس .. بل الكثير من الناس يتحدث عن ظرافة الفقهاء والدعاة في دروسهم وحسن فكاهتهم التي يتناقلون شيئاً من أخبارها..

 

ولذلك حين يتساءل كثير من الليبراليين ما السر في كون التربويين الإسلاميين استطاعوا التأثير في الشباب والأسر بهذا الاتساع الاجتماعي المذهل؟ السبب الجوهري يعود إلى سحر الأخلاق والتضحية التي يبذلها أولئك التربويون الفضلاء..

 

دعونا من هذا المشهد الذي هو الأصل وهو القاعدة العامة في الظاهرة الإسلامية -ولله الحمد- ولنحاول أن نسلط مجهر التحليل على عينة استثنائية وهامشية وليست ظاهرة عامة بكل حالٍ من الأحوال.. لكن لا مانع برغم هامشيتها أن نقوم بقراءتها..

 

هناك أسماء مستعارة على الشبكة أخذت على عاتقها نصرة منهج أهل السنة في العقيدة والفقه ومنهج الإصلاح، وكتب الله على أيدي هؤلاء الشباب المباركين خيراً كثيراً، بل نفع الله ببعضهم أكثر من نفع بعض طلاب العلم، لا إشكال في هؤلاء.

 

ولكن ثمة –أيضاً- أسماء مستعارة أخرى تقحم نفسها في بعض المنتديات والمواقع الاحتسابية، وخصوصاً في التعليق على المقالات في المجلات الإلكترونية، وتستخدم ألفاظ سوقية وأساليب في غاية التفحش والتهتك والقذارة في الرد على المخالف، حتى لوكان خلافه في داخل الصف الإسلامي.

 

بصراحة وقفت محتاراً أمام هذه الأسماء المستعارة؟ وتناقشت مع بعض الإخوان: من يقف ياترى خلف هذه الأسماء المحدودة؟ هل هم إسلاميون فعلاً أم يتظاهرون بأنهم إسلاميين لتشويه صورة المتدينين؟

 

حتى لا يكون الكلام تجريدياً فإنني سأضطر اضطراراً لضرب أمثلة لتوضيح المراد:

 

خرج الأخ القارئ عادل الكلباني بمقالته الملخصة عن حكم المعازف والتي ضمنها اتهام من يحرم المعازف بالغلو، وأن علماءنا مصابون بجرثومة التحريم، وقد بين جمع من أهل العلم والدعوة خطأه في كلا المسألتين، ولكن ثمة أسماء مستعارة على الشبكة وصفت الأخ عادل بنعوت لا يوصف بها مسلم، واستعمل بعضهم عبارات فاحشة يتقزز القارئ وهو يقرؤها، بل وقد وقفت على شخص لمز الأخ عادل بلونه، يا سبحان الله أي جاهلية تلك؟! والله لو كمل التوحيد في قلب ذاك المعلق لما لمز مسلماً بلونه .. ولكنها شُعب الجاهلية التي تسري في بعض النفوس المريضة..

 

في واقعة أخرى.. أطلعني أحد الإخوان قبل فترة على مقطع يوتيوبي مسجل يعرض فيه من صممه كلمات للدكتور سلمان العودة، حول الإم بي سي حين كان يذمها، ويعرض فيه من صممه صوراً لحيوانات في محاولة للإساءة للدكتور سلمان، مهما بلغ الاختلاف مع الدكتور سلمان في مسائل منهجية معينة، هل يقبل مسلم أن يضع أخاه المسلم في مثل هذا القالب الحيواني؟! اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هذا البذئ.

 

وأخبرني أحد الإخوة عن حوار حادّ دار في أحد الساحات الإلكترونية، بين الأخ الفاضل بدر العامر(د.استفهام) وبعض الأسماء المستعارة الأخرى، ونقل لي عبارات دارت فيه، وكان الأخ الذي أخبرني مفجوع منها، زرت الموقع وكادت تمور بي الأرض لما رأيت ذلك الاسم المستعار يطعن في “عِرض” الأخ الفاضل بدر العامر، كدت أن أتيبس في مكاني، والله إنها كلمة تنهد لها الجبال الرواسي، هل يقولها رجل يقرأ قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين، 6].

مهما بلغ الاختلاف مع الأخ الفاضل بدر العامر في مسائل منهجية معينة، هل يصل الأمر إلى أن يطعن هذا الطاعن في عرضه؟! لاحول ولا قوة إلا بالله.

 

وقبل فترة نشر الدكتور عبدالعزيز قاسم صورة له زار فيها قبر النجاشي، وأكد خلال تلك الحادثة نفي كل معنى غير شرعي قد يتوهمه متوهم، ومع ذلك فإن أحد تلك الأسماء المستعارة اتهم الدكتور قاسم بأنه “قبوري” .. اتهام بالشرك لرجل يعلن بكل صوته براءته منه! تلك اليد التي كتبت هذه التهمة ألا تتذكر قوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس، 65]

 

مهما بلغ الاختلاف مع الدكتور قاسم حول سياساته البرامجية، هل يصل الأمر إلى اتهامه بالقبورية! كبرت كلمة تخرج من فيّ ذاك الطاعن.

 

وثمة نماذج مماثلة مرت بي، وأظن القارئ قد وقف على بعضها أيضاً.

أول وأضخم حقيقة بدهية قطعية أمتلئ بها إيماناً أن هذه الكتيبة المستعارة لا تمثل الإسلاميين من قريب ولا من بعيد، ووالله لا يزعم أنها تمثل الإسلاميين رجل يخاف الله ورسوله، يا أخي لقد جالسنا طلبة العلم والدعاة، والمفكرين الاسلاميين، والأدباء الإسلاميين، والإعلاميين الإسلاميين، وجنود الظل التربويين الإسلاميين، وما رأينا والله إلا كل لطف وتعامل ودود وتحبب إلى الناس ولله الحمد.

 

هناك احتمالان مطروحان: هل هذه الأسماء المستعارة المتفحشة هم مجرد فتيان صغار فيهم طيش المراهقة و لا موجِّه لهم واستمتعوا باللعبة؟ أم هم أناس من خارج الصف الإسلامي يريدون تشويه الإسلاميين؟ الله أعلم.

 

كنت مرة أتابع سجالاً على الشبكة، فنطق أحدهم بعبارة “فاحشة”، فأنكر عليه آخر هذه العبارة، فذهب هذا المتفحش يذكر أدلة على موقفه، الحقيقة أنني اندهشت حين رأيت هذا المتفحش لديه “شرعنة” مسبقة لما يقوم به!

 

دعونا نفحص أدلته، فربما يكون هناك أشخاص آخرون ينطلقون من هذه الشرعنة.

يقول هذا المتفحش أن النبي –صلى الله عليه وسلم- وابا بكر حفظ عنهم عبارات قالوها كأعضوه بهن أبيه ونحوها، والجواب: أن من تأمل أحوال النبي –صلى الله عليه وسلم- علم أن هذا استثناء وفي حالات خاصة وليس أصلاً عاماً، ولذلك نهى عائشة حين شتمت اليهود، ولو كان يجوز لما نهاها، وهم اليهود!

 

والمشكلة أن هذا المتفحش جعل الاستثناء أصلاً، والأصل استثناءً، فصارت الأخلاق هي الاستثناء، والفحش هو الأصل. من يحتج بالنصوص الخاصة التي ورد فيها شئ من هذه العبارات ويدع النصوص العامة التي كان عليها عامة سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- فهو كمن يأخذ ببعض حالات الاختلاط العارض ويجعله هو الأصل، هذه طريقة (تقعيد الاستثناءات) أي تحويل الاستثناءات إلى قواعد عامة التي يتبعها أهل الأهواء.

 

الترفع عن البذاءة في الردود هي طريقة أهل السنة والجماعة، فمن تأمل كتب السلف ومن اتبعهم كردود الامام احمد والدرامي، وردود ابن تيمية، وردود الإمامين ابن باز وابن عثيمين، وردود الوالد عبدالرحمن البراك، رأى فيها كلها التحفظ والترفع عن الإسفاف والبذاءة والسوقية، واختيار أجزل العبارات وأبعدها عن التفحش، وكل مافيها مما هو خلاف ذلك إنما هو استثناء وفي حالات خاصة وليس أصل، فبعض أهل العلم يجيز مثل هذه الأمور على سبيل المقابلة والمجازاة لا على سبيل المبادأة، مع كون الترفع عنها أولى.

 

ومن الأمور التي احتج بها هذا المتفحش: أن من ينتقدهم يستعملون هم –أيضاً- عبارات مسيئة، كاتهام العلماء والمحتسبين بأنهم عبيد الحكومة وقطيع ويتهمونهم بالسذاجة والسطحية وقصر النظر أو جرثومة التحريم أو الغلو أو بذور الإرهاب أو التسكع ونحو هذه العبارات، والجواب: أن خطأ المخالف في الأخلاق يجب أن لا يقود الداعية –أيضاً- إلى الخطأ، وليحتفظ الداعية برباطة جأشه، يجب أن نكون أرقى أسلوباً من مخالفينا، إنهم ليسوا قدوة لنا.

 

هل هذا يعني أن (الحزم في الرد في موضعه) ممنوع شرعاً؟ لا، قطعاً، ليس هذا المراد، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- استعمل الحزم في موضعه، ومن ذلك ما في صحيح مسلم عن عدى بن حاتم:

(أن رجلا خطب عند النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “بئس الخطيب أنت، قل ومن يعص الله ورسوله” ) [صحيح مسلم، 2047]

 

وكذلك فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال عن عيينة بن حصن لما استأذن (بئس أخو العشيرة) [صحيح البخاري، 6032]

 

وكذلك استعمل الحزم في موضعه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن عبدالله بن عمر لما روى حديث إتاحة المساجد للنساء اعترض عليه ابنه بلال، فرد عليه ابن عمر رداً حازماً يليق بالموقف لتعظيم النص، حيث جاء في الصحيح:

(أن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول “لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها” ،. قال فقال بلال بن عبد الله “والله لنمنعهن” ، قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط، وقال: “أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول والله لنمنعهن” ) [صحيح مسلم، 1017].

 

والمراد أن استعمال الحزم في الرد في موضعه أصل شرعي، لكن التفحش والبذاءة واعتياد الألفاظ السوقية الشوارعية في الردود هذا كله مخالف لطريقة أهل السنة والربانيين الذين ادركناهم من أهل العلم.

 

ولذلك فإنني ألتمس من إخواني الذين يكتبون بهذه الطريقة بأسماء مستعارة أن يتحاشوا هذه الطريقة لأمرين: لأنها خلاف المنهج الشرعي أولاً، ولأنها مضرة بمصلحة وصورة الدعوة ثانياً، ولا يعتمدوا على كلامي أنا شخصياً، بل ليذهبوا لأحد أهل العلم الكبار الموثوق في علمهم وديانتهم وربانيتهم، وليسألوه عن حكم هذه الأساليب البذيئة، وستجدون كيف ينفر أهل العلم عندنا من هذه الأساليب.

 

على أية حال .. لا زال السؤال يحيرني: من يقف ياترى خلف تلك الأسماء المستعارة المتفحشة؟

 

والله أعلم،،

أبو عمر

شعبان 1431هـ

21 يوليو 2010

الإصلاح على طريقة لمز المطوعين

تعليق واحد

 

الحمدلله وبعد،،

في كل بلد في العالم فإن الإصلاح المدني يعني تقديم خطط وبرامج ومشروعات وحلول مدنية عملية للأزمات المدنية التي يعاني منها الناس.. يعتبر الشخص مصلحاً مدنياً إذا قدم إصلاحات مدنية على الأرض.. هذا هو تعريف الإصلاح المدني في العالم ببساطة .. إلا في بلدي السعودية التي تفردت بتعريفات كثيرة ولله الحمد .. فإن الإصلاح المدني له تعريف آخر .. تعريف آخر مختلف كلياً.. وهذا لعله جزء من فرادتنا!

 

الإصلاح في السعودية ليس أن تقدم برامج ومشروعات مدنية في الجوانب الناقصة.. لا.. لا تحتاج ذلك أبداً، فقط استمتع بالتهكم بالفقهاء والدعاة الإسلاميين والمحتسبين لماذا لم يقدموا هم؟! وستجد نفسك في دقائق إصلاحياً كبيراً !

 

إصلاح أزمات الإسكان والصحة والخدمات التي يئن منها الناس في السعودية ليس بأن تقدم خطط ودراسات مدنية بشأنها.. لا.. لا.. هداك الله.. لا تحتاج إلى ذلك كله.. فقط انتقد المشايخ لماذا لا يقدمون هم خطط ومشروعات، ولا تنس أن تدخل في حديثك عبارات من نوع: فهم العصر وإدراك المتغيرات الخ! وستكون حينها أردوغان السعودية!

 

الشجاعة في المسائل السياسية الحساسة في السعودية ليس أن تقدم برامج وخطط إصلاحية لحل مظالم الإقطاع العقاري والحبس بلا مقاضاة ونحوها .. لا.. لا.. لا يحتاج الأمر أن ترهق نفسك.. اجلس في المساء على صفحتك الشخصية الإلكترونية مع كوب من اللاتيه واستمتع بتعيير الفقهاء بعجزهم السياسي والأمني! وستكتشف نفسك حينها سيفاً إصلاحياً لا يغمد!

 

الإصلاح في السعودية ليس إصلاح الخلل، وإنما شتم الآخرين لم لا يصلحون الخلل؟! هكذا بكل بساطة!

 

قرأت لأحدهم مرةً يتهكم بخطيب الجمعة في مسجدهم لماذا لا يصلح قضايا التنمية (أخذت أتساءل: ربما الأخ يظن أن خطباء الجمعة هم الوزراء في الدولة؟! )

 

دعونا نتذكر صغار الصحابة ونقيم شيئاً من المقارنات .. صغار الصحابة كابن عباس وابن عمر .. أو بشكل عام من تأخر موته من الصحابة رضوان الله عليهم، ففي البصرة توفي أنس بن مالك أحد المكثرين وخادم رسول الله عام (93هـ) ، وفي مكة توفي ابوالطفيل عامر بن واثلة (110هـ) ، وفي حمص توفي عبدالله بن بسر المازني (96هـ) ، وفي الكوفة توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي (87هـ) ، ونحو هؤلاء الصحابة الذين تأخر موتهم وأدركوا من حكم المتغلبين ومن الخلل السياسي عقوداً متتابعة.

 

أي أن الصحابة أدركوا من ولاية المتغلبين –في أشد الأقوال- مايقارب (70 سنة) وهي الحقبة التاريخية الواقعة بين (41 – 110) .. وفي هذه الفترة قامت عدة نظم سياسية متغلبة وفيها خلل سياسي كبير مثل: يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، وعبدالملك بن مروان، والوليد بن عبدالملك، وسليمان بن عبدالملك.

كل هؤلاء حكموا والصحابة لا زالوا متوافرين..

 

السؤال الآن: ترى لو عاشت هذه الطوائف الفكرية في عصور أولئك الصحابة فماذا سيقولون عنهم؟ هل سيلومون ابن عباس وابن عمر وأنس ونحوهم من أجلة الصحابة ويقولون لهم: أنتم مشغولون برواية الحديث وتعليم الناس السنن وهذا إشغال للناس عن مقاومة الخلل السياسي؟

 

هل سيقولون لابن عباس: أشغلت الناس بتفسير القرآن وكلام العرب عن الأزمات التي تمس حقوق الناس؟! حاشاه رضي الله عنه.

 

هل سيقولون للصحابة: أنتم تشددون النكير على القدرية وهم قوم لهم تأويل وإنما أرادوا البحث عن الحق ولهم حرية الرأي، بينما تحرمون الخروج على هذه النظم السياسية المتغلبة!

 

وفتاوى الصحابة في مسائل الفقه ملأت أسفار كتب الآثار وفقه الحديث من باب المياه إلى باب الإقرار.. فهل هذه الفتاوى الصحابية كلها كانت تغييباً لعقول الناس عن النظم السياسية المتغلبة؟!

 

عمل فقهاء ومفتي الصحابة مع أمثال يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، وعبدالملك بن مروان، والوليد بن عبدالملك، وسليمان بن عبدالملك .. أصل في معرفة الحق لمن أراده.

 

فقد استمر الصحابة في عصور التغلب في تفسير القرآن ورواية الحديث وبيان السنن وتعليم الناس والفتيا في دقيق الأمور وجليلها، ولم يعتبروا أن بيان مسائل الدين هو اشتغال بمسائل هامشية كما يدعي هؤلاء..

 

ولذلك تجد علماء أهل السنة ساروا طوال القرون الماضية على طريقة الصحابة، استمروا في بيان مسائل الدين دقيقها وجليلها، ولم يعتبروا أنها إشغال للناس بالتوافه ..

 

هل تريدني أن أصدق أن فقهاء الصحابة ومفسريهم ومفتيهم ومن بعدهم من العلماء لم يفهموا حقيقة الإسلام وفهمه بعض المنتسبين للفكر المعاصر! يارحم الله العقول إذن!

 

على أية حال .. الجوانب المعاشية في المجتمع مسؤولية الجميع .. وليست مسؤولية الفقهاء والمحتسبين وحدهم .. وعلماء الإسلام بلا استثناء يعدون كل بابٍ منها شعبةٌ من الاحتساب.. وشعب الإيمان بضع وسبعون شعبة .. بل إن الخبراء –كلٌ في مجاله- عليهم مسؤولية خاصة في أنتاج الحلول المدنية للمشكلات المعيشية للمجتمع..

 

فالاقتصادي والمهندس والإدراي هم الذين يملكون الخبرات المدنية للمشكلات المدنية.. هل ننتظر من الفقهاء والخطباء والدعاة أن ينتجوا خططاً لمشروعات الطرق وبرامج العلاج والتمويل العقاري؟! هذا خلط في الوظائف .. هذا كمن يقول على المهندس أن يحقق أسانيد مسند أحمد! والجميع يدرك أنه ليس عليه ذلك..

 

وهذا هو الفرق بين مفهوم (العلمانية) المرفوض شرعاً .. ومفهوم (التخصص) المطلوب شرعاً .. فالعلمانية توزع المهام المدنية مع جعلها غير محكومة بالشريعة .. أما التخصص فتوزيع المهام مع جعلها جميعاً محكومة بالشريعة..

 

ومن أهم كوارث هذه الطوائف الفكرية أنها دوماً تقع في (تنقيض الفروض الكفائية) أي وضع المطالب الشرعية أضداداً ونقائض لبعضها، فهم لا يقولون مثلاً: شكر الله لمن اعتنى بنشر السنن وإماتة البدع، ونحن فريق آخر سنعتني بقضايا الحقوق المالية، بل يجعلون هذه نقيضاً لهذه!

 

بل ويصرحون أحياناً بأن أي اشتغال بقضايا العقيدة أو الفضيلة أو مقاومة الربا ونحوها أنه تضييع للجهود وتشتيت للتركيز وصرف للانتباه عن القضية الحقيقية التي هي القضايا السياسية والمالية! فانظر كيف أفسدوا جهودهم بمثل هذه المتضادات التي يفتعلونها، مع أن علماء أهل السنة كانوا ينتظرون منهم أن يكونوا عوناً لهم على استكمال جهود الإصلاح الشامل فتحولوا إلى معاول هدم بجعلهم بعض الشريعة نقيضاً لبعضها.

 

ولذلك كان بعضهم يستاءل: لماذا وقف الإسلاميون والخطاب الشرعي ضد شخصيات إصلاحية معروفة مادام أن الإصلاح السياسي والمالي جزء من الشريعة؟!

وهذا تزييف للواقع، فكل الشخصيات الإصلاحية التي انتقدها الخطاب الشرعي لم ينتقدها لأنها طالبت بالإصلاح المالي، وإنما انتقدها لأنها توسلت بالقضية الإصلاحية لتمرير تحريفاتها للشريعة كالإزراء بعلوم السلف، أو التهوين من مرجعية الصحيحين، أو جحد حد الردة، أو السخرية بكتب العقيدة كالطحاوية ونحوها..

 

بل إنني أعمم -وأنا مسؤول عن هذا التعميم- وأقول أنه طوال تاريخنا المحلي فإن كل الشخصيات التي اعتنت بشكل عام بـ(النقد السياسي) وأظهرت في نفس الوقت احتراماً للشريعة وعلومها ومنهج أهل السنة؛ فإنها لاقت تقديراً واحتراماً وإعجاباً في الوسط الإسلامي، وتداولاً لمقالاتها.

 

وهذا الموقف من أشد نقاط التميز في الاتجاه الإسلامي –ولله الحمد- وهو أنه يحترم الشجاعة السياسية بشرط أن لاتتحول إلى جسر لنفي شئ من أحكام الشريعة ومنهج أهل السنة.

 

ونظير ذلك: أننا نحترم الطبيب المبدع بشرط أن لايستغل إبداعه العلمي لترويج الاختلاط بين الجنسين، ونحترم الروائي المبدع بشرط أن لايستغل أدبه لتمرير المجون، ونحترم الإعلامي المتميز بشرط أن لايستغل مهنيته للتأليب ضد الأنشطة الإسلامية، وهكذا.

 

بل تأمل معي في نموذجٍ أكثر دلالةً من ذلك، وهو أن الشخصيات التي تكلمت عن (الجهاد الشرعي) لقيت احتراماً بين الإسلاميين، لكن لما صار بعضهم يستغل عنايته بالجهاد للتهكم بدروس العقيدة، أو تكفير علماء أهل السنة، أو تهديد أمن البلدان الإسلامية واغتيال العاملين في المؤسسات الأمنية وإتلاف الثروات العامة للمسلمين، فإن الإسلاميين بعامة أطبقوا على منافرته وذم طريقته، لا لأنه اعتنى بالجهاد، ولكن لأنه استغل عنايته بالجهاد لتمرير أفكار منحرفة.

 

وهكذا كل الشخصيات التي تاجرت بالإصلاح السياسي لبث أفكارها المنحرفة فإنه يجب مقاومة تحريفاتها، لا لأنها اشتغلت بالاصلاح السياسي، وإنما لأنها استغلت الإصلاح السياسي لشرعنة تأويلاتها للنصوص.

 

ياحسرةً على مجموعات رفعت شعار (معارضة الدولة) بينما برنامجها العملي (معارضة العقيدة)..

 

أريد هاهنا أن أشير لتحفظ ضروري: وهو أنه ليس كل من رفع شعار الإصلاح السياسي وقع في هذه المشكلات، معاذ الله، بل هناك شخصيات سعودية قدمت جهوداً في الإصلاح السياسي مع احترامها لمنهج أهل السنة في العقيدة والفقه، ولا بأس أن نضرب أمثلة من شخصيات بعينها لتأكيد ذلك، فممن لاحظت محافظتهم على الأصول الشرعية ممن لهم جهود إصلاحية:  الشيخ سفر الحوالي وسليمان الرشودي وعبدالعزيز الوهيبي ود.محمد الحضيف، ونحوهم ممن لعله غاب عني إسمه الآن، فهؤلاء كلهم كان لهم جهود في الإصلاح السياسي، وحصلت لهم مضايقات إن شاء الله أنها في ميزان حسناتهم، ومع ذلك لم نقرأ لهم حرفاً واحداً في تحريف ونبز عقيدة وفقه أهل السنة والجماعة، بل كلهم يفخرون بالأصول الشرعية ولله الحمد، ولم نقرأ لهم حرفاً واحداً في تأليب الناس ضد العمل الدعوي والإسلامي، فأمثال هؤلاء قامات ينتصب المرء لها إجلالاً.

 

هناك فقهاء ودعاة كثيرون يقولون لك: يا أخي ثمة أموراً سياسية كثيرة نعجز عنها والله ولا نطيقها، وسنقوم بما نطيقه من القضايا الشرعية، وهذا هو غاية جهدنا، فيأتي من يسمون أنفسهم تنويريين وإصلاحيين ويوسعونهم همزاً ولمزاً ، فإذا رأيت هذا المشهد لم أستطع أن أمنع لساني من أن يتمتم بقوله تعالى:

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) [التوبة، 79]

  والله أعلم،،

 

أبو عمر

شعبان 1431هـ

21 يوليو 2010

الترغيب والترهيب في قصقصة الأحكام الشرعية

أضف تعليق

   الحمدلله وبعد،

الوسائل التي يستعملها من يبحثون عن تشذيب الإسلام ليتوافق مع ثقافة الغرب المنتصر تتفاوت بحسب طبيعة الشخصية المستهدفة، فتارة يستعملون مع الشخصية المستهدفة أسلوب “الترغيب”، فيوضع في برامج فضائية في أوقات الذروة، ويطبل له كتاب الأعمدة الليبرالية باعتباره نموذج “الشيخ الواعي”، وتزداد المدائح الصحفية بمقدار جرأة “الشيخ الواعي” على مواصلة مسلسل حصد الأحكام الشرعية.

والأسلوب الأخر هو أسلوب “الترهيب”، وهو غالباً يتم بترويع الشخصية المستهدفة عبر سيناريوهات يبدعها خيالهم حول مخاطر الأحكام الشرعية والتي تنتهي دوماً بتفجير حزين، تخيلات سينمائية تبدأ بأي فتوى ولا تنتهي القصة إلا على حطام الألغام المتناثرة!

فياسبحان من أعطاهم هذه الخصوبة التخيلية.. يقولون لك احذر أن تتحدث عن نواقض الإسلام، لأنه ربما فهم منك (شاب متهور) تطبيق هذه الأحكام بنفسه، فيقوم بعملية تكفير وتفجير! احذر أن تتحدث عن (كفر الحكم بغير ما أنزل الله)، لأنما ربما فهم منك (شاب متهور) أنه يمكن أن يطبق ذلك بنفسه، فيقوم بعمليات تفجيرية ضد النظم العربية الوضعية! احذر أن تتحدث عن (كفر من سب الله ورسوله)، لأنه ربما فهم منك (شاب متهور) أنه يمكن أن يقوم بذلك بنفسه، فيبدأ في سلسلة اغتيالات للمثقفين الذين يتهكمون بالأحاديث النبوية! احذر أن تتحدث عن (كفر تارك الصلاة) لأنه ربما فهم منك (شاب متهور)أنه يمكن أن يطبق ذلك بنفسه فيبدأ في التصفية الجسدية لبعض أقاربه! واحذر.. واحذر.. واحذر.. لم؟ حتى لاتهجم علينا من جديد قصة (الشاب المتهور)! يامسكين هذا (الشاب المتهور) صار للأحكام الشرعية بالمرصاد!

أتدري أين المشكلة؟ المشكلة أن دروس مشايخ أهل السنة حضرها مئات الآلاف من الشباب عبر أجيال مستمرة، وهم يسمعون هذه الأحكام الشرعية ولم يفهموها بالطريقة الفوضوية التي يصورها أصحاب (هوليود الفتاوى) .. وبالمقابل فإن المجموعات الشبابية المحدودة التي تورطت في حركة (الغلو في التكفير والقتال) تبيّن من سيرهم الذاتية أن جمهورهم لم يكن مواظباً على ملازمة أهل العلم وحضور الدروس الشرعية!   فانظر كيف أن هذه الدروس الشرعية للربانيين من أهل العلم والتي كشفت الأحداث أنها هي الضمانة الصحيحة للعلم المنضبط صارت تصور أنها هي المشكلة!

على أية حال .. أوصي القارئ الكريم حين يقرأ القرآن أن يخفت صوته حين يمر بأي آية كفر أو قتل، لأنه ربما يكون بجانبه لاسمح الله (شاب متهور) فماهي إلا دقائق ويسمع دوي الانفجار بجانبه!

 

 

أبو عمر

ربيع الثاني 1431هـ

28 مارس 2010

تأملات في الخطابات البديلة

أضف تعليق

 

هذه الحياة مبنية على صراع إرادتين، إرادة بشرية وإرداة إلهية (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال:67]. الرغبات البشرية تتمظهر في سلوكيات مباشرة معزولة عن أساس نظري وهذه مشكلة العامة، أو الحل العامي، لافرق، فسلوكهم مع رغباتهم وقلوبهم مع إرادة الله، ولذلك هم أرقى في المعيار القرآني. بالمقابل، النخب المثقفة المنحرفة تتألم من الارتطام المستمر بين رغبتها البشرية وإرادة الله، فتصعد إلى تبديل إرادة الله (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) [الفتح:15]  فتصل إلى منطقة الخطر النهائي، إنه التعدي على الذات الإلهية. شتان بين من يخالف نصوص القانون وبين من يزوّر نصوص القانون ذاته، الأولى مخالفة داخل الدولة والثانية اعتداء على الدولة ذاتها!

ولكن ماهي خيارات التأسيس النظري للرغبة البشرية؟ الحقيقة أنه ليس من الحنكة الحركية أن تصارع منهجاً بمنهج لايملك ذات الإمكانيات، أنت بذلك تقرر أن تدخل معركة غير متكافئة القوى، حين تصارع الخطاب الشرعي بمنظومة آيديولوجية بديلة، سواءً تراثية كالمعتزلة مثلاً، أو معاصرة كالماركسية مثلاً؛ فإنك ستخسر حتماً، فلايوجد أي منظومة بديلة قادرة على مقاومة الخطاب الشرعي السني، المعتزلة والماركسية كلاهما فرضا على الناس بقوة النظام، وليس بانبعاث شعبي داخلي. والليبرالية السعودية هي نتاج خطة مبسطة قوامها أن عصابة من رؤساء التحرير تحتكر الأعمدة وتوجه المكافآت لمن يكتب بلغة ما، فالشاب ضعيف النفس سيتقبل القيام بالدور ليحصل على العمود، حسب قاموس المسيري يمكننا اعتبار الليبرالية السعودية “جماعة وظيفية” تقوم بدور معين بمقابل، ولذلك صار لدينا موسم الهجرة من شقق البلوت إلى الأعمدة الصحفية، نتيجة انفتاح مفاجئ في الفرص الوظيفية، أما عموم المجتمع فهو لايزال يستفتي حتى إمام المسجد، ويسلم أبناءه وفلذات كبده للشباب المتدين في حلقات التحفيظ والمراكز الصيفية.

حسناً، من أكثر خطاب بديل نجح في مصارعة الخطاب الشرعي السني؟ الحقيقة أن كل من صارع الخطاب الشرعي السني فشل، بدءاً من مشركي قريش وانتهاء بالليبرالية التناسلية.   يبدو أنني لم أجب! حسناً سأعيد السؤال على نفسي: من أكثر خطاب استطاع إرهاق الخطاب الشرعي السني؟ الحقيقة أنه خطاب “اللابديل”، لأنه لايمكن مناقشته، إنه خطاب مفتوح لايمكنك أن تمسك شيئاً تحاوره.

إنه الخطاب الذي لايقدم لك معنى للنص تناقشه، وتوازن بينه وبين تفسيرات الخطاب الشرعي السني، وإنما يقول لك: النص لانهائي التفسيرات.إنه الخطاب الذي لايقدم لك “أصول فقه” تناقشها، وتوازن بينها وبين أصول الفقه السنية، وإنما من يقول لك: يجب تجديد أصول الفقه ويسكت. ماذا تستطيع أن تناقش؟ لاشئ!.

 إنه الخطاب الذي لايقدم لك معايير علمية لفحص الأحاديث، وإنما يقول لك: هناك مشكلات عميقة في تدوين السنة النبوية وعلم مصطلح الحديث، ثم يتوقف، حسناً: ماهي قواعدك البديلة، وأعطني الأحاديث التي تصححها والتي تضعفها؟ لايقدم لك شيئاً، هاهنا ماذا تستطيع أن تناقش؟! وكيف يمكن أن توازن بينه وبين علوم السنة في الخطاب الشرعي السني؟ لامجال لشئ من ذلك.

إنه الخطاب الذي يستهلك في معجمه تعابير من مثل: هذا الحكم الشرعي لم يدرس جيداً، وهذا المفهوم الشرعي لم يبحث بشكل صحيح.. الخ حسناً ماهو الشئ الصحيح الذي تراه؟ لايقدم لك شيئاً!

خذ مثالاً من زاوية أخرى، حين يأتيك شخص ويقدم أحكاماً بديلة في موضوع المرأة (الاختلاط، السفر بلامحرم، الخ) فإنه سرعان مايتهاوى أمام مطارق الشرعيين، لكن حين يأتيك بالمعميات المفتوحة: نحن لم نفهم المرأة، نحن لانزال نقرأ نصوص المرأة تحت ضغط التقاليد، هناك إشكاليات ضخمة وعميقة في تعاملنا مع المرأة، أحكام المرأة تحتاج إلى قراءة جديدة، نحن بالغنا في الاحتياط مع المرأة، الخ الخ طيب أعطنا مثالاً واحداً، يتحفظ في إعطاء الأمثلة، ماذا تستطيع أن تناقش؟ لاشئ.

فشلت كل الخطابات البديلة، أورهقنا خطاب اللابديل، إنه خطاب يراهن على “تقويض اليقين” بالخطاب الشرعي السني، لكنه يجبن عن أن يقدم مباشرة بديله المضمر، لأن استراتيجيته تقوم على أن الشاب حين يسقط يقينه فيمكن أن يتشرب البدائل الضعيفة بهدوء، فالجسم حين تذوي مناعته فإن الفيروسات الضعيفة تستطيع الاستيلاء عليه بكل بساطة.   يؤسفني أنني مضطر للاعتراف بأن أذكى خصوم الخطاب الشرعي السني هم أصحاب العموميات التي تكتفي بزعزعة اليقين لدى الشاب، وحين يتصدع اليقين بالإرادة الهية يصبح القلب مهيأً لشحنه بأي الإرادات البشرية شئت. ولذلك كان من أكثر أنواع الأمراض التي نبه عليها القرآن مرض (الارتياب) فالمرتاب لايجد في نفسه القوة على المضي مع الإرادة الإلهية نتيجة التردد فيسقط فريسة للإرادات البشرية، تأمل كيف يشرح القرآن ذلك (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 45] لم يستأذنوا الرسول عن المضي مع الإرادة الإلهية إلا بسبب ماغزا قلوبهم من الارتياب!.

في موطن آخر من كتاب الله شرح القرآن حالة فريق من الناس لاينقادون لإرادة الله إلا إذا وافقت إرادتهم، فإذا خالفت إر ادة الله رغباتهم امتنعوا عن الانقياد، أتدري بماذا فسر القرآن هذه الحالة؟ فسرها بأنها تعود إلى حالة “ارتياب” خفية، كما يقول تعالى (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا) [النور: 50].

 يا ألله .. كم يصنع الارتياب الخفي في النفوس! ولذلك لايمكن أن يجتمع اليقين بكتاب الله مع العلمانية والليبرالية في قلب رجل واحد، فإن الارتياب في القلب هو الذي سبب الامتناع عن الانقياد لبعض أحكام الله، وقبول مايتناسب منها مع رغباتهم وإراداتهم، ولو أقسم لك العلماني والليبرالي أيماناً مغلظة بأنه موقن بالله وكتابه ورسوله فلاتذهب بعيداً بهذه الأيمان (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة:62].

على أية حال.. تأمل معي الكتب الفكرية التي طرحت مشروعات “إعادة قراءة التراث” تجد أقواها فعالية وتأثيراً في الشباب المتدين هي تلك الكتب التي تكتفي بطرح الشكوك وتتحاشي طرح أي أحكام شرعية بديلة. الخطاب الفقهي البديل يمكن الموازنة بينه وبين الخطاب الفقهي السني، أما خطاب اللابديل، فهو خطاب يقود إلى العدمية، والعدمية عدم، فكيف تستطيع أن تقارن بين حجج العدم والوجود، وإنما يوازن بين وجودين!

 

أبو عمر

ربيع الثاني 1431هـ

19 مارس 2010

Older Entries