الحمدلله وبعد….

 صباح هذا اليوم تلقيت رسالة الكترونية من الإعلامي المعروف عبدالعزيز قاسم مرفق بها حلقة تسجيلية للقائه مع الأستاذ يحي الأمير في برنامج البيان التالي، وفي الجزء الأول من حلقات اللقاء المسجلة وجدت الأستاذ يحي الأمير يقول: (في حديثي لم أكن أتناول عن هذا الحديث، وإنما السياق كان عن عدة أحاديث، منها ماضعفه العلماء، مثل حديث أن “المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان”، هذا الحديث الشيخ محمد بن الأمين والشيخ الألباني –رحمهم الله- وغيرهم وقفوا عنده وأنكروه، وقالوا: هذا حديث منكر).   والحقيقة أن هذا خطأ محض على سنة رسول الله، فحديث (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان) ليس بحديث منكر، ولم يضعفه لا الشنقيطي، ولا الألباني. فالحديث أصلاً موجود في صحيح مسلم [برقم 3473]. وأما الشنقيطي فلم يضعفه في أي كتاب من كتبه. وأما الألباني فقد صححه بشواهده، وأشار لذلك في أكثر من كتاب من كتبه (انظر على سبيل المثال: السلسلة الصحيحة 235،  صحيح الجامع 1940، صحيح أبي داود 1867).   فإذا كان الأمر كذلك فهل يحي الأمير هو الذي افترى على الشنقيطي ونسب له القول بتضعيفه؟ أميل إلى القول أن الأستاذ يحي الأمير برئ من هذه الفرية، وإنما هو ضحية للمفبرك الأساسي لهذه الكذبة على الشنقيطي، وسأشرح القصة باختصار:   في أحد المنتديات يوجد كاتب انترنتي اسمه (محمد الأمين) هذا الكاتب قال عن هذا الحديث الصحيح (والحديث مضطرب مردود لانقطاع سنده، ووجود النكارة الشديدة فى متنه). فجاء الصحفي “إسلام بحيري” –وهو مشارك في هذا المنتدى أصلاً- وأعجبته هذه العبارة، فذهب وكتب مقالة نشرها في مجلات أخرى ونسب عبارة الكاتب الانترنتي بشكل يوهم القارئ أن قائلها هو الشيخ (محمد الأمين الشنقيطي)، وليس الكاتب الانترنتي (محمد الأمين)، حيث يقول الصحفي إسلام بحيري في مقالة كتبها عن هذا الحديث: (ولكن المؤسف أن الأوائل لم ينكروا هذا الحديث, أما العاقلون من المعاصرين فقد رفضوا هذا الحديث, وأنقل فى هذا السياق قولا للشيخ “محمد الأمين الشنقيطي” عن ذات الحديث من كتابه “ضعيف الصحيح” فيقول: “والحديث مضطرب مردودٌ لانقطاع سنده ووجود النكارة الشديدة فى متنه” ). فأضاف لاسم الكاتب عبارة “الشنقيطي” حتى يكتمل الإيهام، واخترع كتاباً لهذه العبارة وأسماه “ضعيف الصحيح” ولذلك لم يشر للصفحة لأنه كتاب اخترعه اسلام بحيري، وليس للشيخ الشنقيطي أصلاً كتاب بهذا الإسم. فجاء الصحفي “يحي الأمير” وابتلع الطعم، ونسب هذا التضعيف للشيخ الشنقيطي رحمه الله!   والصحفي “إسلام بحيري” له فبركات كثيرة من هذا الجنس، منها بحثه الذي طبل له جمال البنا عن “عمر عائشة” فهو مسروق بالكامل أصلاً من طبيب هندي اسمه “شافاناز”  نشره في مجلة المنارة عام 1999. وقد أخطأ هذا الطبيب الهندي أخطاء مضحكة في نقل الأسانيد، فقام إسلام بحيري بإعادة نشره باسمه، وأخذ يروج له جمال البنا، وكالعادة كان للمقالة ضحايا لدينا في الصحافة السعودية أخذوا يرددون المعلومات المكذوبة التي نقلها إسلام بحيري عن عمر عائشة! وما أقبح أن تكون معلومة مكذوبة ومسروقة في نفس الوقت، وتوضيح الأخطاء الإسنادية في مقالات إسلام بحيري ليس هذا موضعه، وأتمنى أن تتاح له فرصة لاحقة، خصوصاً أخطاؤه على سلسلة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.   والمراد أن وصيتي للأستاذ يحي الأمير أن لايورط نفسه في تصحيح وتضعيف الأحاديث، فهو لايخرج من إحراج إلا إلى إحراج آخر، فها هو قد جاء ليعتذر عن إساءته لحديث في الصحيحين، فأساء لحديث آخر في صحيح مسلم!.   فعلوم السنة النبوية تحتاج إلى دراسة منظمة طويلة المدى، مع تصون وتقوى وعبودية، ولذلك لايتكلم فيها إلا الأئمة الكبار، ونحن عالة فيها عليهم، وليست علوم السنة تغطيات صحفية ولا مناقشات فكرية لاتقوم على معايير منضبطة.   وليت الأستاذ يحي يضع نصب عينيه أن اللغط على السنة النبوية أشنع عند الله من رفع الصوت بحضرة رسول الله، ورفع الصوت بحضرة رسول الله من الأسباب المخوفة لحبوط العمل، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2]   فإذا كان هذا في رفع الصوت بحضرة رسول الله، فكيف بالتجني على سنته؟!   وأما معنى الحديث فهو ظاهر وليس بمنكر، فالنبي ليس يشبه المرأة بالشيطان، وإنما يشبه فتنة المرأة بفتنة الشيطان من جهة قوتها وتأثيرها، فهو ليس تشبيهاً للكائن بالكائن، بل تشبيه لشدة فتنة الأول بشدة فتنة الثاني. وهذا نظير قول النبي في الحديث الصحيح (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) فهو ليس تشبيه لله بالقمر، بمعنى أنه ليس تشبيه للمرئي بالمرئي، بل تشبيه للرؤية بالرؤية. وقد ذكر ابن القيم فوائد هذا الحديث في كتابه الشهير الجواب الكافي.   أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، ويرزقنا جميعاً الخشية من القول على الله بغير علم

 

أبو عمر

ربيع الثاني 1431هـ

27 مارس 2010